

إن تعلُم القرآن الكريم من أعظم الواجبات فهو أشرف العلوم وأفضلها عند الله سبحانه وتعالى، فقد يسر الله القرآن العظيم للذاكرين، ودعا المؤمنين لتلاوته وتدبره وتذكره في كل حال من أحوالهم، لاستصلاح القلوب وتصحيح السُلوكات، فقال الله عز وجل: ﴿وَلَقَدۡ يَسَّرۡنَا ٱلۡقُرۡءَانَ لِلذِّكۡرِ فَهَلۡ مِن مُّدَّكِر﴾ (القمر: 17). كما أكدت دراسات علمية عديدة أن التربية القرآنية تحوي مبادئ التربية الواقعية وأصولها وتصوراتها، وتقدم رؤية جامعة لبناء مجتمع إنساني فاضل وتربية متكاملة لأفراده، وهذا ما أشار إليه الشيخ أحمد الخليلي حيث دعا إلى ضرورة العودة للقرآن والاستهداء بهديه، وتربية أفراد المجتمع المسلم التربية الإيمانية القائمة على مبادئ القرآن الكريم وأخلاقه ، قال الله تعالى: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾ (محمد: 24)، وعلى ذلك فلا حاجة للمجتمع الإسلامي الراهن إلى البحث عن نماذج تربوية شرقية أو غربية للارتقاء بتربية أفراده وبناء مجتمع حضاري، في حين أنه بالفعل يمتلك نموذجًا متميزًا منبثقًا عن التربية الإسلامية الموثوق بها ثقة مصدريها: القرآن الكريم والسنة النبوية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الاعتناء الكبير بكتاب الله، والوقوف على تعليمه يُعد سببًا هامًا من أسباب عودة الأمة لقوتها وعزّتها وازدهارها؛ لأنه المنهج الرباني الأمثل لتربية النفوس البشرية.
ومن هذا المنطلق يتجلى لنا الدور العظيم الذي نِيط بهذه الأمة تجاه تحفيظ أبنائها وتعليمهم التلاوة الصحيحة للقرآن الكريم، فالأمة الإسلامية مأمورة شرعًا بتبليغ القرآن وتعليمه، لذا كان لزامًا على القارئ أن يتعلم أحكام التجويد؛ لأنها حُلية التلاوة وزينة القراءة، حيث أن التلاوة مهارة تحتاج أن يشترك فيها اللسان والعقل والقلب، فحظّ اللسان تصحيح الحروف بالترتيل، وحظّ العقل تفسير المعاني، وحظّ القلب الاتعاظ. والتلاوة الجيدة لها أثرها على القارئ والمستمع في فهم معاني القرآن وإدراك أسرار إعجازه، ويرى ابن القيم أنّ التلاوة الحقيقية هي تلاوة المعنى واتباعه؛ تصديقاً بخبره، وائتماراً بأمره وانتهاءً عن نهيه، كما قال الله تعالى: ﴿ٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَتۡلُونَهُۥ حَقَّ تِلَاوَتِهِۦٓ أُوْلَٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡخَٰسِرُونَ﴾ (البقرة: 121)، والمعنى يتبعون كلام الله حقّ اتباعه، فتلاوة القرآن تتناول تلاوة لفظه ومعناه، وتلاوة المعنى أشرفُ من مجرد تلاوة اللفظ، وأهلها هم أهل القرآن الذين لهم الثناءُ في الدنيا والآخرة. لذلك لا بدّ لقارئ القرآن أن يبذل الجهد لتعلم القواعد الصحيحة للتلاوة، فينتقل بين ألفاظ القرآن الكريم ويتقنها لفظاً وأداءً، ثم يتحفز لفهم معانيها، حتى يحقق المقصد العظيم في تزكية النفس وتربيتها، كما في قول الله تعالى: ﴿كَمَآ أَرۡسَلۡنَا فِيكُمۡ رَسُولٗا مِّنكُمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِنَا وَيُزَكِّيكُمۡ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمۡ تَكُونُواْ تَعۡلَمُونَ﴾ (البقرة: 151).