

الطالب.. مشروع استثماري للتربية والتعليم
حين نتحدث عن الاستثمار في الأوطان، فإن أعظم وأرقى استثمار هو ذلك الذي يُوجَّه نحو الإنسان، وتحديدًا الطالب. فالطالب ليس متلقيًا للعلم داخل جدران الصف فحسب، بل هو مشروع استثماري استراتيجي طويل الأمد، تبنيه التربية وتغذيه المعرفة، ويتعهده التعليم ليكون لبنة صالحة في صرح الوطن، وركيزة أساسية في نهضة المجتمع والدولة.
الطالب هو نواة الغد، وعماد الجيل الذي تقوم عليه الآمال والطموحات، وهو حامل الرسالة، وصانع التغيير، وباني الحضارة. إننا في زمن تتسارع فيه التحولات، وتتشابك فيه التحديات، ولم يعد كافيًا أن نُعِد الطالب للحياة كما هي، بل أن نُعِدَّه لعالم لا نعرف كيف سيكون. وهذا يتطلب منا تربية تُعنى بالقيم، وتعليمًا يرتكز على المهارات، ورعاية تُشعره بأنه محور العملية كلها، لا طرفًا هامشيًّا فيها.
الطالب يستحق أن يُعامَل على أنه شريك في التنمية، لا مستهلكًا للجهد والموارد فقط. يستحق بيئة تعليمية تحترم تفكيره، وتؤمن بقدراته، وتفتح له الأبواب لاكتشاف ذاته وتطويرها. إن كل طالب يحمل بذرة تميّز، ومواهب فطرية يمكن أن تُنمى وتُصقل متى ما أُتيحت له المساحة وأُحسن توجيهه.
وفي زمن الرقمنة والتقنيات المتقدمة، لم يعد الطالب ذلك الكائن المنعزل عن العالم، بل هو منفتح على المعارف والثقافات، متصل بالعالم من أطرافه، يسبق أحيانًا مناهجه، ويبحث عن التجديد. لذا فإن مسؤولية التربية والتعليم ليست تلقين المعلومات فقط، بل توجيه البوصلة، وتنمية التفكير النقدي، وتمكين الطالب من أدوات العصر: مهارات الاتصال، والتعلم الذاتي، والعمل الجماعي، والذكاء العاطفي، والتكيّف مع التغير.
وإذا كان الاستثمار في الموارد الطبيعية يثمر عوائد محدودة، فإن الاستثمار في الطالب يثمر أجيالًا من المبدعين، والمخترعين، والقياديين، والمصلحين. فبه تنهض الأمم، وتُبنى الحضارات، وتُصان القيم.
ختامًا، علينا أن ندرك أن الطالب ليس رقمًا في كشف الحضور، ولا مقعدًا في فصل، ولا سطرًا في امتحان.. بل هو أمانة في أعناقنا، ومشروع وطني ينتظر منّا الرعاية والدعم والإيمان به، ليكون كما نأمل، قلب الوطن النابض، وروحه المتوثبة، ومستقبله المشرق.